الأربعاء، 13 فبراير 2019

مسائل وفوائد في أحكام اليمين -١-

مسائل وفوائد في أحكام اليمين1  :  بقلم  :سلطان بن عبدالله العمري
مقدمات:
- اليمين هي: توكيد الحكم المحلوف عليه بذكر معظم على وجه مخصوص. حاشية الروض (7/464).
- وسميت بذلك لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كلٌ بيمين صاحبه. قاله الحافظ في الفتح (11/525).
- حروف القسم: الباء – الواو – التاء، والتاء لا تدخل في القسم إلا على (الله) فلو قال: (تالرحيم) لا يكون قسم.
- يكره الإفراط في الحلف لقوله تعالى: (ولا تطع كل حلاف مهين) ( القلم 10 ) فذمه لذلك يقتضي كراهية فعله، ولأنه قد يدخله الكذب.
مسألة : متى تصح اليمين؟
- تصح من كل مكلف مختار قاصدٍ إلى اليمين ولا تصح من صغير، ولا المجنون ولا النائم  لعموم حديث (رُفع القلم) صحيح الجامع 3512
* هل تصح يمين السكران ؟ على قولين بناءً على أنه هل هو مكلف أم لا؟ المغني (13/436).
أقسام اليمين:
1- اليمين المؤكدة لأمور ماضية أو مستقبلية.
2- اليمين اللغو التي تخرج من غير قصد لحقيقتها.
3- اليمين الغموس: اليمين الكاذبة على أمر ماض.
الحكمة من اليمين:
- حمل المخاطب على الثقة بكلام الحالف.
- لتقوية عزم الحالف على فعل شيء أو تركه.
- الغاية من اليمين : قصد توكيد الخبر ثبوتاً أو نفياً. الموسوعة الفقهية (7/245).
- الحلف المحرم :
- الحلف بالآباء ، والدليل: قوله صلى الله عليه وسلم : ( ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله وإلا فليصمت). رواه البخاري 5643
- وأما رواية: (أفلح وأبيه) التي أخرجها مسلم، فالجواب:
- أن ذلك كان يجري على لسانهم من غير قصد القسم.
- أن ذلك كان جائزاً ولكنه نُسخ وعليه أكثر الشراح.
- أن فيه حذف والتقدير: ورب أبيه.
- وقيل: إنه خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الخصائص لا تثبت بالاحتمال.
- الحلف بالمخلوق لا يجوز، وهو من الشرك لعموم حديث: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). صحيح الجامع  6204
- ويكون شركاً أكبر إذا اعتقد في المحلوف به في التعظيم كما يكون لله تعالى , ويكون شركاً أصغر إذا لم يعتقد ذلك.
- هل تنعقد اليمين التي فيها حلف بغير الله ؟
قال ابن تيمية (1/335): وقد اتفق العلماء على أنه لا تنقعد اليمين بغيرالله تعالى، وهو الحلف بالمخلوقات , ولم يقل أحد من العلماء المتقدمين أنه تنعقد اليمين بأحد من الأنبياء إلا في نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنه عن أحمد روايتين, وأصل القول بانعقاد اليمين بالنبي ضعيف شاذ، ولم يقل به أحد من العلماء فيما نعلم , والذي عليه الجمهور أنه لا تنعقد اليمين به كإحدى الروايتين عن أحمد، وهذا هو الصحيح.
- لايجوز الحلف بالأمانة لحديث : ليس منا من حلف بالأمانة . صحيح الجامع  5436
 * وكذلك بذمتك ، براس ابوك ، بحياة والديك ،
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف فقال في حلفه: واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق )). البخاري
 - ما هي اليمين الغموس؟
- هي اليمين الكاذبة، وصورتها: أن يحلف على أمر ماضٍ كذباً، وهي من الكبائر، وقد ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في الكبائر: (من الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس) رواه البخاري 6182 , والصواب أنه ليس فيها كفارة ، وقالوا: الكفارة لا ترفع إثمها فلا تشرع، وهي أعظم من أن تكون لها كفارة، وهو قول أكثر أهل العلم. المغني(13/448).
قال ابن مسعود: كنا نعد اليمين التي لا كفارة فيها، اليمين الغموس، وهي من الكبائر.
- اليمين عند الخصومة والاختلاف :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (يمينك على ما يصدقك صاحبك) رواه مسلم 3121 .
والمراد: يمينك التي تحلفها محمولة على المعنى الذي نويته ولا تنفع التورية هنا، فإن خالف حلفه نيته، كانت يمينه غموساً عند أكثر الفقهاء، ولو فتح هذا الباب لزالت حقوق كثير من الناس.

- أحوال اليمين :
o تكون اليمين واجبة، إذا كان فيها نجاة معصوم من هلكة لن ينجو إلا بالحلف.
o تكون مستحبة، في الحلف الذي تتعلق به مصلحة كإصلاح بين متخاصمين ونحو ذلك.
o تكون مباحة، مثل الحلف على فعل مباح أو تركه.
o تكون مكروهة، مثل الحلف على ترك مستحب، أو الحلف في البيع لأنه كما في الحديث: (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة) رواه البخاري 1945 .
o تكون محرمة، كما سبق في اليمين الغموس، ولقوله تعالى: (ويحلفون على الكذب وهم يعلمون) وكذلك : الحلف على فعل معصية أو ترك واجب، المغني (13/443-445).
- مسألة الاستثناء في اليمين هي : أن يقول بعد اليمين (إن شاء الله) فإذا كان الاستثناء متصلاً باليمين فحنث فلا كفارة عليه، وفي الحديث: (من حلف على يمين فقال إن شاء فقد استثنى) رواه أبو داود، وهو في صحيح الجامع  6209  قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم.
قال في المغني: يشترط أن يكون الاستثناء متصلاً باليمين لا بعد زمن، ولو جاز الاستثناء في كل حال، لم يحنث حانث. أ.هـ. والعبرة في الاستثناء هو التلفظ ولا يكفي القصد، واتفقوا على أنه تكون للاستثناء لا للتبرك.
- الضابط الذي يجمع صور الاستثناء بالمشيئة (كل لفظ لا يتصور معه الحنث في اليمين) كقول الحالف عقب حلفه (إن شاء الله) إن يسر الله، بعون الله، إلا أن يشاء الله. الموسوعة الفقهية (7/278).

- مسألة : لو حلف على شيء ألا يفعله، ولكن فعله ناسياً.
الجواب: لا شيء عليه لعموم قوله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) ( البقرة 286 )  واختاره ابن قدامة (13/446) وهو اختيار الإمام ابن باز رحمه الله تعالى. الفتاوى (23/113) ولحديث: (إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) صحيح الجامع  1729 .
مسألة : لا يجوز للإنسان أن يُحرِّم على نفسه ما أحله الله له.
-  من حرم على نفسه حلالاً مما أباح الله من طعام، أو شراب، أو لباس، أو فعل، لم يَحْرم عليه، ويجب عليه إن فعله كفارة يمين.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [1] قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [2]} [التحريم: 1- 2].
- مسألة الحلف لأخذ حقوق الآخرين.
عن الله عليه وسلم: (من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان) أخرجه البخاري ( 2185 ) قال الحافظ في الفتح : قَوْله ( لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ) فِي حَدِيث وَائِل بْن حُجْرٍ عِنْد مُسْلِم " وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ " وَفِي رِوَايَة كُرْدُوسٍ عَنْ الْأَشْعَث عِنْد أَبِي دَاوُدَ " إلا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ أَجْذَمُ " وَفِي حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ بْن ثَعْلَبَة عِنْد مُسْلِم وَالنَّسَائِيِّ نَحْوه فِي هَذَا الْحَدِيث " فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّه لَهُ النَّار وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّة " وَفِي حَدِيث عِمْرَان عِنْد أَبِي دَاوُدَ " فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّار " .
- مسائل:
- يجوز الحلف من غير استحلاف، وقد رود عنه صلى الله عليه وسلم في عدة مواضع , قاله الحافظ وابن الملقن (9/250).
- إذا حلف على أمر ماض يظن صدق نفسه، فبان خلافه، فهذا لغو لا إثم فيه، لأنه لم يقصد الكذب، وبنى على غالب ظنه وهو قول أكثر أهل العلم، بل نقل ابن عبد البر الإجماع عليه، المغني (13/451)،ووافقه العلامة الفوزان في شرح البلوغ (6/54).
- ما حكم إبرار المقسم؟
روى البخاري ( 2265 ) في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإبرار المقسم.
ولكن العلماء اختلفوا في الأمر هل هو للوجوب أو الاستحباب.
قال في المغني: والأمر هنا على سبيل الندب لا على سبيل الإيجاب، بدليل أن أبا بكر قال: أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني..، فقال الرسول: لا تقسم , ولم يخبره، ولو وجب عليه لأخبره.
ويحتمل أن يجب عليه إبراره إذا لم يكن عليه ضرر. المغني (13/503).
مثال : لو حلف عليه صديق ان يتغدى عنده او يبيت عنده او يسافر معه ، فالمستحدب ان يبر بقسمه
- مسألة : لو حلف على غيره، والله ليفعلن فلان كذا، فلم يفعل الآخر، فالكفارة على الحالف، في قول جماعة من أهل العلم. المغني (13/502).
- مسألة : إذا حلف على أجناس واحدة بحلف واحد فقال: والله لا أكلت ولا شرب ولا لبست، فحنث في الجميع، فكفارة واحدة، بلا خلاف؛ لأن اليمين واحدة والحنث واحد، فإنه بفعل واحد من المحلوف عليه يحنث وتنحل اليمين.
- مسألة : لو حلف أيماناً على أجناس مختلفة، فقال: والله لا أكلت والله لا لبست، فحنث في واحدة فعليه كفارة، فإن أخرجها ثم حنث في يمين أخرى لزمته كفارة أخرى، بلا خلاف. المغني (13/474).

الثلاثاء، 5 فبراير 2019

أحكام المسجد -٢-

1- حكم وضع الشاشات في المساجد :
- لا مانع من وضع هذه الشاشات في مقدمة المسجد ، كي يتمكن المأمومون من خلالها من مشاهدة الإمام إذا وجدت الحاجة لذلك ، كمصلى النساء ، والأدوار العلوية والسفلية ، بشرط أن تكون هذه الشاشات لنقل الصورة وليست شاشة تلفاز .
بل ذلك مما يساعد على تحقيق متابعة الإمام من خلال رؤية أفعاله وحركاته ، ويقلل من الاضطراب والبلبلة الناتجة عن عدم معرفة حال الإمام ، خاصة في الأحوال التي يسهو فيها الإمام ، أو يسجد للتلاوة أو السهو .
ولكن ينبغي أن يكون نظر المأموم إلى موضع سجوده ، ولا ينظر إلى الشاشة إلا عند وجود الحاجة لذلك .
وعدم وجود مثل هذه الشاشات في مساجد الحرمين ليس دليلا على المنع ، فلكل مسجد وضعه الذي يناسبه .
وإذا كانت الشاشة تستعمل لعرض معلومات شرعية مفيدة ، فتكون في ظهر المصلين وليس أمامهم ؛ حتى لا تشغلهم في صلاتهم .
وإن كان المقصود من السؤال تشغيل هذه الشاشات في خطبة الجمعة مثلاً ، فلا بأس بذلك ، لأن نظر المأموم للخطيب حقيقة أو عن طريق الشاشة مما يزيد من انتباهه وانتفاعه بالخطبة ، ولذلك كانت السنة : أن ينظر المأمومون إلى الخطيب .( الاسلام سؤال وجواب )

2- السلام عند دخول المسجد :
- هذا هو السنة ، أنه إذا دخل والجماعة في المسجد يسلم عليهم ولو أنهم يصلون ، يقول : السلام عليكم . وإن قال : ورحمة اللَّه وبركاته . هذا طيب ، فالذي في صلاته يردون بالإشارة ، هكذا بيده إشارة له ، والذين خارج الصلاة يردون : وعليكم السلام ورحمة اللَّه وبركاته . ولا بأس بهذا ، ولا يكره هذا ، بل مشروع ، كان الصحابة يسلمون على النبي وهو يصلي عليه الصلاة والسلام ، ويرد عليهم بالإشارة عليه الصلاة والسلام ، أما قول بعض العامة إنه لا يسلم على الذي يصلي فهذا غلط ، خلاف السنة ، بل يسلم عليهم ، ويردون عليه ولو كانوا يقرؤون ، يقول : السلام عليكم . وإذا سمعوا الصوت يقولون : وعليكم السلام . يردون مثل قوله أو أزيد ( من فتاوى نور على الدرب - بن باز  رحمه الله )

3- حكم بناء المراحيض قبلة المسجد : الحمامات التي في قبلة المسجد لا تخلو من حالين :
- الأول : أن لا يكون ثمَّة جدار فاصل بينها وبين المسجد ، أو بينهما جدار مشترك ، أي أن جدار المسجد وجدار الحمامات واحد .
ففي هذه الحالة تكره الصلاة في هذا المسجد ، والأفضل أن تهدم الحمامات ، وتُبعد عن جدار المسجد .
قال شيخ الإسلام : " ولا فرق عند عامة أصحابنا بين أن يكون الحش في ظاهر جدار المسجد ، أو في باطنه .
- الثاني : إِما أن تكون مفصولة عن المسجد بجدار مستقل بها ، منفصل عن جداره القبلي ، وهذا لا محظور فيه ، ولا بأْس بالصلاة ، ولو كانت المغاسل في قبلة المسجد ، ما دامت مفصولة عنه بجدار غير جداره . ( ابن ابراهيم رحمه الله )

4- ما حكم أخذ الأطفال الصغار إلى المسجد؟
- لا حرج في إحضار الصبي إلى المسجد ، بل ينبغي تعويده ذلك وتشجيعه عليه ، ما لم يكن في حضوره تشويش على المصلين وأذى لهم بحركته ولعبه ، فلا ينبغي إحضاره حينئذ ؛ لأن المساجد لم تبن للعب واللهو ، وإنما بنيت للصلاة والخشوع والذكر والطمأنينة ، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم من جهر بعض المصلين على بعض بالقراءة ، فكيف باللعب والجري والانتقال من مكان إلى مكان ، مما يشوش على المصلين ويفقدهم الخشوع والاطمئنان .
جاء في "المدونة" (1/195) : "وسئل مالك عن الصبيان يؤتى بهم إلى المساجد ؟ فقال : إن كان لا يعبث لصغره ويكف إذا نُهي فلا أرى بهذا بأسا , قال : وإن كان يعبث لصغره فلا أرى أن يؤتى به إلى المسجد" انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما حكم إحضار الصبيان الذين هم دون التمييز ممن يُلَبَّسُّون الحفائظ التي ربما يكون أو غالب ما يكون فيها النجاسة ؟ وإذا حضروا هل يُطْرَدون أم لا ؟
فأجاب :
"إحضار الصبيان للمساجد لا بأس به ما لم يكن منهم أذية ، فإن كان منهم أذية فإنهم يُمنعون ؛ ولكن كيفية منعهم أن نتصل بأولياء أمورهم ، ونقول: أطفالكم يشوِّشون علينا ، يؤذوننا وما أشبه ذلك ، ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يدخل في صلاته يريد أن يطيل فيها ، فيسمع بكاء الصبي فيتجوَّز في صلاته مخافة أن تفتتن الأم ، وهذا يدل على أن الصبيان موجودون في المساجد ؛ لكن كما قلنا : إذا حصل منهم أذية فإنهم يُمنعون عن طريق أولياء أمورهم ؛ لئلا يحصل فتنة ؛ لأنك لو طردت صبياً له سبع سنوات يؤذي في المسجد ، وضربته سيقوم عليك أبوه ؛ لأن الناس الآن غالبهم ليس عندهم عدل ولا إنصاف ، ويتكلم معك وربما يحصل عداوة وبغضاء ، فعلاج المسألة هو : أن نمنعهم عن طريق آبائهم حتى لا يحصل في ذلك فتنة .
أما مسألة إحضاره فليس الأفضل إحضاره ؛ لكن قد تُضْطَر الأم إلى إحضاره ؛ لأنه ليس في البيت أحد وهي تحب أن تحضر الدرس ، وتحب أن تحضر قيام رمضان وما أشبه ذلك .
على كل حال : إذا كان في إحضاره أذية أو كان أبوه -مثلاً- يتشوش في صلاته بناء على محافظته على الولد فلا يأتي به ، ثم إذا كان صغيراً عليه الحفائظ فلن يستفيد من الحضور ، أما من كان عمره سبع سنوات فأكثر ممن أُمِرْنا أن نأمرهم بالصلاة ، فهم يستفيدون من حضور المساجد ؛ لكن لا تستطيع أن تحكم على كل أحد، قد تكون أم الولد ليست موجودة ميتة ، أو ذهبت إلى شغل لابد منه ، وليس في البيت أحد فهو الآن بين أمرين : إما أن يترك صلاة الجماعة ويقعد مع صبيه، وإما أن يأتي به ، فيُرَجِّح ، يَنْظُر الأرجح " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (125/8) .

وسئل رحمه الله : هل يجوز للرجل أن يذهب إلى المسجد ومعه أطفاله الصغار دون الرابعة؟
فأجاب :
"الأطفال الذين دون الرابعة في الغالب لا يحسنون الصلاة لأنه لا تمييز لهم ، والسن الغالب للتمييز هو سبع سنين وهو السن الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نأمر أولادنا بالصلاة إذا بلغوه ، فقال عليه الصلاة والسلام : (مروا أولادكم أو أبناءكم بالصلاة لسبع) وإذا كانوا هؤلاء الأطفال الذين في الرابعة لا يحسنون الصلاة فلا ينبغي له أن يأتي بهم في المسجد اللهم إلا عند الضرورة ، كما لو لم يكن في البيت أحد يحمي هذا الصبي فأتى به معه بشرط ألا يؤذي المصلين ، فإن آذى المصلين فإنه لا يأتي به ، وإذا احتاج الطفل أن يبقى معه في البيت فليبق معه ، وفي هذه الحال يكون معذوراً بترك الجماعة لأنه تخلف عن الجماعة لعذر وهو حفظ ابنه وحمايته" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" .
والحاصل : أنه إذا أمكنك ضبط الصبي ومنعه من اللعب والتشويش فلا حرج في إحضاره للمسجد وإلا فلا .
والنصيحة لأهل المسجد عموماً أن يتحملوا الأطفال الصغار ، وليتعاون الجميع على تعليمهم آداب المسجد .
وينبغي أن يُعلم أن مجرد حصول صوت أو حركة من الصبي الصغير في المسجد ليس بمسوغ لمنعه من المسجد ، فقد كان الأطفال يفعلون ذلك في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويقرهم ، ويخفف الصلاة رحمةً بهم ، وبأمهاتهم ، ولكن من علم منه زيادة أذية للمصلين ، فهذا هو الذي ينبغي ألا يصحب إلى المسجد حتى يتأدب بآدابه .
5- تعليق اللوحات في المسجد :
- يُكره أن يوضع في قبلة المسجد ما يمكن أن يُلهي المصلين بالنظر إليه في صلاتهم ، ويدل على ذلك أحاديث ، منها :
 عَنْ أَنَسٍ قال : كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ( أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا فَإِنَّهُ لاَ تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلاَتِي )  .
رواه البخاري ( 367 ) .
(  قرام ) ستر رقيق من صوف ذو ألوان ونقوش ، ( أميطي ) أزيلي ( تعرض ) تلوح

6- هل يجوز الإعلان عن وفاة من يموت في القرية على سبورة موضوعة في المسجد ، خصيصاً لهذا؟
- الإعلان عن وفاة الميت بشكل يشبه النعي المنهي عنه لا يجوز ، وأما الإخبار في أوساط أقاربه ومعارفه من أجل الحضور للصلاة عليه ، وحضور دفنه فذلك جائز ، وليس من النعي المنهي عنه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات النجاشي بالحبشة أخبر المسلمين بموته وصلى عليه.
ثانياً :لا ينبغي اتخاذ لوحة في المسجد للإعلان فيها عن الوفيات وأشباهها ، ذلك لأن المساجد لم تبن لهذا" انتهى . الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .فتاوى اللجنة الدائمة (9/142)
7- تعليق الدعايات على جدران المسجد :
- لا يجوز إعلان الدعايات ، وتعليق الدعايات والإعلانات داخل المسجد لأن هذا يشغل المصلي ، ولأن المسجد ليس محل إعلانات ، وقد نُهي عن إنشاد الضالة فيه ، ونُهي عن البيع والشراء في المسجد ، فلا يتخذ المسجد للإعلانات .
أما تعليقها خارج المسجد فلا مانع منه ، أن تعلق خارج المسجد على الجدران أو على الباب من خارج المسجد فلا مانع ، وإن كان الأولى أيضاً ترك هذا الشيء ، لكن إذا كان خارج المسجد فالأمر أخف ، وقد صدرت فيه فتوى من اللجنة" انتهى
8- الاجتماع في المسجد في العيد والاكل فيه :
- يشرع للمسلمين أن يظهروا الفرح بالعيد الشرعي ، وأن يجتمعوا لذلك ، ولا مانع من أن يكون ذلك في المسجد .
روى البخاري (5236) ومسلم (892) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَسْأَمُ ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ )  .
وفي رواية للبخاري (950) ومسلم (892) أن ذلك (  َكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ )  .
ولا بأس ـ أيضا ـ أن يصحب ذلك الاجتماع بعض ما يناسب ذلك من الطعام أو الشراب .
قال الزركشي رحمه الله :  " يجوز أكل الخبز والفاكهة والبطيخ وغير ذلك في المسجد . وقد روى ابن ماجة عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي قال : كنا نأكل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الخبز واللحم . [ رواه ابن ماجة في سننه (3300) وصححه الألباني ] ..
وينبغي أن يبسط شيئا ، ويحترز خوفا من التلوث . ولئلا يتناثر شيء من الطعام ، فتجتمع عليه الهوام
9- ما رأي فضيلتكم في صلاة الصبي المميز في الصف الأول : لأن كثيراً من الناس يطردونهم إلى الصفوف الأخيرة مما يسبب اجتماعهم وجلبتهم في المسجد ؟
- "ينبغي أن يشجّع الصبي على الصلاة وألا يُنفّر منها ، فإذا تقدم الصف الأول ، وهكذا إذا تقدم إلى الصف الثاني ، ولا ينبغي تجميعهم في محل واحد ؛ لأن هذا أولاً : ينفرهم من التقدم إلى الصلاة ، وثانياً : يسبب لعبهم وإشغالهم للمصلين ، فلا ينبغي لأهل المسجد أن يفعلوا ذلك ؛ بل ينبغي لأهل المسجد أن يلاحظوا تفريقهم في الصفوف حتى يبعد بعضهم عن بعض لئلا يعبثوا ويؤذوا المصلين ، ومن سبق منهم إلى الصف الأول فإنه يُقر ؛ لأنه سبق إلى شيء ما سبقه إليه غيره فهو أحق به ، والله المستعان" انتهى . ( بن باز – نور على الدرب )
10- حكم السؤال في المسجد للفقراء :
- "أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن حكم السؤال في المسجد بما نصه: (أصل السؤال محرم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة، فإن كان به ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ أحدا؛ بتخطيه رقاب الناس، ولا غير تخطيه، ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله، ولم يجهر جهرا يضر الناس مثل أن يسأل والخطيب يخطب، أو وهم يستمعون علما يشغلهم به ونحو ذلك جاز . والله أعلم). ( اللجنة – بن باز )

- أما الشحاذين عند أبواب المساجد من الخارج فلا بأس إذا كانوا صادقين ، أما داخل المسجد فيُنهون عن هذا ويقال لهم : اخرج عند الباب .
- سؤال :
- هل يُعتبر الإمام الذي يُخرجهم مخالفا لقوله تعالى : " وأما السائل فلا تنهر " ؟
- جواب :
- هو ما نهره وإنما أمره بتغيير المكان . ( بن عثيمين )
-
11- حكم الخروج بعد الاذان من المسجد:
- يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر ؛ لما روى مسلم (655) عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ : كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْمَسْجِدِ يَمْشِي ، فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : (أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )  .

ورواه الترمذي وقال عقبه : " وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، أَنْ لَا يَخْرُجَ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ، أَوْ أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ " انتهى .

ورواه أحمد (10946 ) بزيادة : ( ثُمَّ قَالَ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَخْرُجْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُصَلِّيَ ) وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند .

ومن الأعذار المبيحة للخروج : أن يخرج ليتوضأ إذا كان محل الوضوء خارج المسجد ، أو يخرج بنية العودة ، كما لو خرج ليوقظ أهله مثلا ثم يعود ، وكذلك الخروج للصلاة في مسجد آخر إذا علم أنه سيدرك الجماعة فيه .
12- وضع خطوط في المسجد لتسوية الصفوف :
- سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم عمل خط على الحصير أو السجاد بالمسجد نظرا إلى أن القبلة منحرفة قليلا بقصد انتظام الصف ؟
فأجابت : "لا بأس بذلك ، وإن صلوا في مثل ذلك بلا خط فلا بأس ؛ لأن الميل اليسير لا أثر له" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز . والشيخ عبد الرزاق عفيفي .

الأحد، 3 فبراير 2019

أحكام المسجد

أحكام المساجد 1 :
فضل المساجد:
جاءت الشريعة مبينة فضل المساجد، ومن ذلك أن الله عز وجل أضافها إلى نفسه، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ﴾ (سورة الجن: الآية ١٨)، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ ﴾ (سورة التوبة: الآية ١٨).
كما أنها أحب الأرض إليه عز وجل، كما قال صلى الله عليه وسلم  ) أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها (، وليس ذلك إلا لأن المسجد يذكر بالله ، والسوق يشغل عنه.
فضل بنائها وتعميرها:
لما كانت المساجد أحب البلاد إلى الله عز وجل، لم يكن غريبًا أن يرصد لبنائها الأجور العظام، كما في قوله صلى الله عليه وسلم ) من بنى مسجدًا لله بنى الله له بيتًا في الجنة (.
وعن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ) من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتًا في الجنة (.

وكما جاءت الشريعة حاثة على بناء المساجد، جاءت تحث على محبتها وتقديرها، والنظر إليها بعين التكريم والتعظيم والتقديس والاحترام، لأنها بيوت الله التي بنيت لذكره وعبادته، وتلاوة كتابه وأداء رسالته، ونشر تعاليمه وتبليغ منهجه، وتعارف أتباعه ولقائهم على مائدة العلم والحكمة ومكارم الأخلاق.
فقد قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ (سورة الحج: الآية ٣٢).
وقال سبحانه: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ (سورة النور: الآية ٣٦-٣٧).

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ) المسجد بيت كل تقيّ، وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح، والرحمة، والجواز على الصراط إلى رضوان الله، إلى الجنة (.
وفي منازل القيامة، وكربات مواقفها، وأهوال مشاهدها، يكون أهل المساجد في ظل عرش الرحمن، آمنين مطمئنين. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ﴿ سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله - وعد منهم - ورجل قلبه معلق بالمساجد ﴾.
ثم يصله تعالى بنعمة الجنة، وما أعده له فيها من نعيم مقيم، وفضل عميم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ) من غدا إلى المسجد أو راح، أعدّ الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح (.
العناية بنظافة المساجد وتطييبها:
وذلك بالمحافظة على نظافة المسجد وعدم إلقاء القاذورات والأوساخ فيه، تعظيمًا لشأنه، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ (سورة الحج: الآية ٣٠)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ) أمرنا رسول الله ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب (، ولفظ أبي داود: ) كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في دورنا ونصلح صنعتها ونطهرها، وكان عبد الله يجمر المسجد إذا قعد عمر على المنبر (.
فيجب أن يكون نظيفًا وأن نتعهده بالنظافة والعناية وخاصة يوم الجمعة، فعن أبي هريرة ) أن رجلا أسود أو امرأة سوداء كان يَقُمّ المسجد فمات، فسأل عنه النبي فقالوا: مات، قال: أفلا كنتم آذنتموني به؟ دلوني على قبره، أو على قبرها، فأتى القبر فصلى عليه (.
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي الذي بال في طائفة المسجد ) إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله تعالى والصلاة وقراءة القرآن (.
أحكام الممنوعات في المساجد :
تنقسم أحكام المسجد إلى ثلاثة أقسام: أحكام واجبة، وأحكام مستحبة، وأحكام مكروهة. وفي هذا المقال سنذكر بعض الأحكام الممنوعة في المساجد من كتاب "المشروع والممنوع في المسجد" لمحمد بن علي العرفج.
1- يمنع وينزه المسجد عن النجاسات والقاذورات:
وفي الحديث عن أنس بن مالك(  بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه! قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه، دعوه! فتركوه حتى بال. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه، فقال: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن". أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه صلى الله عليه وسلم } . ( رواه مسلم ) هذا لفظ مسلم.
2- البصاق:
يستهين بعض الناس بالبصاق فلا يبالون بأن يبصقوا على الأرض أو على الجدران في أي مكان حتى في المسجد، وإذا كان البصاق على الأرض في الطرقات أذى وإضرارا للغير ومجافاة لآداب السلوك وبخاصة بعد انتشار المناديل الورقية وغيرها- فإن فعله في المسجد أكثر إيذاء، حتى عده الشارع خطيئة؛ فقد روى الشيخان عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (  البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها } . ( متفق عليه ) .
وروى مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (  عرضت عليَّ أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالهم الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن } . ( رواه مسلم )
3- الروائح الكريهة:
تنزيه المسجد عن الروائح الكريهة سواء أكانت من آثار أطعمة أو من غيرها، وقد ترجم البخاري لذلك بقوله: (باب ما جاء في الثوم النيء  والبصل والكراث ) . وروى مسلم من حديث طويل عن عمر أنه خطب الناس يوم الجمعة، وفيه (  ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين: هذا البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد، فأمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلها فليمتهما طبخا } . ( رواه مسلم )
قال العلماء: ويلحق بالثوم والبصل والكراث كل ما له رائحة كريهة من المأكولات وغيرها. قال القاضي عياض: ويلحق به من أكل فجلا وكان يتجشأ.
- ماحكم صلاة من أكل بصلاً او ثوما ؟
- وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
"هذا الحديث وما في معناه من الأحاديث الصحيحة يدل على كراهة حضور المسلم لصلاة الجماعة ما دامت الرائحة توجد منه ظاهرة ، تؤذي من حوله ، سواء كان ذلك من أكل الثوم أو البصل أو الكراث ، أو غيرها من الأشياء المكروهة الرائحة كالدخان ، حتى تذهب الرائحة ، مع العلم بأن الدخان مع قبح رائحته : هو محرم لأضراره الكثيرة وخبثه المعروف ...
ولو قيل بتحريم حضوره المساجد ما دامت الرائحة موجودة : لكان قولا قويا ؛ لأن ذلك هو الأصل في النهي ، كما أن الأصل في الأوامر الوجوب إلا إذا دل دليل خاص على خلاف ذلك ، والله ولي التوفيق" انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (12/83) .
- وعلى كلا القولين (التحريم أو الكراهة ) : فإن من أكل بصلا ، ثم دخل المسجد وصلى : فصلاته صحيحة ، لأن هذه الأحاديث إنما تنهى عن قربان المساجد حتى لا يؤذي الملائكة والمصلين ، وليست نهيا عن نفس الصلاة ، أو بعض أركانها وواجباتها ، وإنما هو نهي عن أمر خارج عن نفس الصلاة .
-
4- دخول الحائض والجنب:
لا يدخل المسجد حائض ولا جنب عند جمهور العلماء؛ لحديث عائشة قالت ( جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن ينزل فيهم رخصة، فخرج إليهم فقال: "وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" } . ( رواه أبو داود )
وقد أجاز بعض العلماء مرور الجنب في المسجد دون الجلوس فيه؛ لقوله تعالى ﴿ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ ( سورة النساء آية: 43 ) ، وأجاز بعضهم المكث للجنب في المسجد إن توضأ.
5- نشدان الضالة وتناشد الاشعار :
من فقد شيئا فليطلبه خارج المسجد، ولا يرفع صوته في المسجد ليعرف ما ضاع منه، ويطلب ردها ممن وجدها؛ فقد جاء النهي عن هذا فيما رواه مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (  من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك! فإن المساجد لم تبن لهذا } . ( رواه مسلم ) .
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال (  نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تنشد فيه الضالة، وعن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة } ( رواه أحمد وأصحاب السنن ) .
قال ابن رجب في " فتح الباري " (3/335) : " وجمهور العلماء على جواز إنشاد الشعر المباح في المساجد " انتهى
وإذا كان الشعر محتوياً على المعاني العالية ، كالدفاع عن الإسلام وتبيين فضائله والدعوة إليه , وكذا المتون العلمية ونحوها : فذلك مشروع
قال حسان بن ثابت شاعر الرسول لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما لما نهاه عن إنشاد الشعر في المسجد : " كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ ( أي : المسجد ) ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ( يعني : رسول الله صلى الله عليه وسلم ) " رواه البخاري (3212) .
الحديث في أمر الدنيا ، بحيث يكون هو غالب شأنهم ، مع ما يصحبه من التشويش ، واللغط ، ورفع الصوت ، حتى يصير المسجد بذلك كأنه منتدى لأحاديث الدنيا , فإن المساجد لم تبن لذلك .
وأما إن كان الحديث الدنيوي ليس غالباً على حديث الجالسين في المسجد ، ولم يكن فيه تشويش على المصلين والذاكرين ، ولا لغط ورفع صوت : فلا بأس به
كما جاء في حديث جابر سمرة " كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ ، أَوِ الْغَدَاةَ ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ ، وَكَانُوا [أي : الصحابة] يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَيَضْحَكُونَ ، وَيَتَبَسَّمُ " رواه مسلم (670)
.قال النووي في " المجموع " (2/177) : " يَجُوزُ التَّحَدُّثُ بِالْحَدِيثِ الْمُبَاحِ فِي الْمَسْجِدِ وَبِأُمُورِ الدُّنْيَا وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُبَاحَاتِ ، وَإِنْ حَصَلَ فِيهِ ضَحِكٌ وَنَحْوُهُ مَا دَامَ مُبَاحًا لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " انتهى .
6- رفع الصوت:
يمنع رفع الصوت في المسجد؛ فقد استنبط العلماء من النهي عن نشدان الضالة في المسجد، وعن البيع والشراء فيه- كراهة رفع الصوت في المسجد ؛ لأن رفع الصوت ملازم لما سبق.
رفع الصوت في المسجد عموماً , ولو بقراءة قرآن أو الذكر ، إذا كان يشوش على الحاضرين في المسجد , إلا ما رخص الشرع برفع الصوت فيه ، كالأذان والصلاة الجهرية والخطبة , ونحو ذلك .
وفي الحديث : ( وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ [يعني : في المساجد] ) رواه مسلم (432)
.قال النووي في " شرح صحيح مسلم " (4/156) " أَيِ اخْتِلَاطُهَا وَالْمُنَازَعَةُ وَالْخُصُومَاتُ وَارْتِفَاعُ الْأَصْوَاتِ وَاللَّغَطُ وَالْفِتَنُ الَّتِي فِيهَا " انتهى
.وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : " اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ ، فَكَشَفَ السِّتْرَ ، وَقَالَ : ( أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ , أَوْ قَالَ : فِي الصَّلَاةِ ) رواه أبو داود (1332) ، وصححه الألباني
.قال النووي في " المجموع " (2/175) : " تُكْرَهُ الْخُصُومَةُ فِي الْمَسْجِدِ ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ فِيهِ " انتهى
7- اتخاذ المسجد على قبر:
يمنع اتخاذ المسجد على قبر؛ فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولم يشغله مرضه الذي توفي فيه عن أن يحذر الأمة من ذلك، حتى ولو كان القبر قبر نبي؛ خوفا من المبالغة في تعظيمه والافتتان به.
وربما أدَّى ذلك إلى الشرك كما آل الأمر بكثير من الأمم السابقة؛ فعن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه (  لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } ( متفق عليه ) .
8- شد الرحال لغير المساجد الثلاثة:
يمنع شد الرحال لغير المساجد الثلاثة؛ إذ لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم إلا إلى المساجد الثلاثة حيث قال صلى الله عليه وسلم (  لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا } ( متفق عليه ) أي المسجد النبوي.
9- زخرفتها ونقشها:
يمنع الزخارف والنقوش التي لا فائدة منها، بل فيها إضاعة المال والإسراف والتبذير، وإشغال المصلين عن العبادة.
10- تخصيص مكان في المسجد :
- ليس هذا الفعل من السنة ، بل هو مخالف للسنة ، فقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى أحمد (3/428) ، وأبو داود (862) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ قَالَ  " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ ، وَافْتِرَاشِ السَّبْعِ ، وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ " وقد حسنه الألباني بشواهده في " السلسلة الصحيحة " (1168) .
 ) نَقْرَةِ الْغُرَابِ) هُوَ تَخْفِيف السُّجُود بِحَيْثُ لَا يَمْكُث فِيهِ إِلَّا قَدْر وَضْع الْغُرَاب مِنْقَاره فِيمَا يُرِيد أَكْله .
 ) وَافْتِرَاشِ السَّبْعِ ) هُوَ أَنْ يَبْسُط ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُود وَلَا يَرْفَعهُمَا عَنْ الْأَرْض كَمَا يَبْسُط السَّبُع وَالْكَلْب وَالذِّئْب ذِرَاعَيْهِ .
)   وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ) أي : أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد لا يصلي إلا فيه كالبعير لا يأوي من عَطَنِه إلا إلى مَبْرَك دَمِثٍ قد أوطنه واتخذه مناخا لا يبرك إلا فيه .
انظر : " شرح السندي لسنن النسائي " ، " عون المعبود شرح سنن أبي داود " .
-
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " مجموع الفتاوى " (22/195) :
" ليس لأحد من الناس أن يختص بشيء من المسجد بحيث يمنع غيره منه دائما ، بل قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إيطان كإيطان البعير ، قال العلماء : معناه أن يتخذ الرجل مكانا من المسجد لا يصلى إلا فيه" انتهى .
فيكره للرجل أن يتخذ مكانا في المسجد لا يصلي فيه .
وقد ذكر العلماء عدة حكم لهذا الحكم ، وبعض المفاسد المترتبة عليه .
فمن ذلك : أن العبادة في هذا المكان تصير طبعا وعادة له فيفقد لذة العبادة وحلاوتها .
وأيضا : فيه شيء من الرياء والشهرة ، فقد يصلي في هذا المكان ليقال : هذا مكان فلان .
وأيضا : قد يمنع غيره من الصلاة في هذا المكان ، فيكون قد ظلم غيره ومنعه من حقه .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"وحكمته : أن يؤدي إلى الشهرة والرياء والسمعة والتقيد بالعادات والحظوظ والشهوات ، وكل هذه آفات أي آفات يتعين البعد عما أدى إليها ما أمكن " انتهى .

- ورد أنه لا بأس بتخصيص مكان معين في المسجد للصلاة فيه في صلاة النافلة ، فعن يزيد بن أبي عبيد قال : " كُنْتُ آتِي مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَيُصَلِّي عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ فَقُلْتُ : يَا أَبَا مُسْلِمٍ ، أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ . قَالَ : فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا " رواه البخاري (502) ، ومسلم (509).
قال ابن رجب في " فتح الباري " (2/644-648) :
" وفي الحديث دليل على أنه لا بأس أن يلزم المصلي مكانا معينا من المسجد يصلي فيه تطوعا . وقد ورد في رواية التصريح بأن هذه الصلاة كانت تطوعا .
وقد ورد النهي عن أن يوطن الرجل له مكانا في المسجد يصلي فيه .... ثم ذكر الحديث المتقدم في أول الجواب وتكلم على إسناده ثم قال : وقد حمل أصحابنا حديث النهي على الصلاة المفروضة ، وحديث الرخصة على الصلاة النافلة " انتهى .
     وهذا الحكم أيضا خاص بالمساجد ، أما البيوت فلا بأس أن يتخذ الرجل مكانا في بيته يصلي فيه ، وقد فعل ذلك عتبان بن مالك رضي الله ، وأقره عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، رواه البخاري (424) ، ومسلم (33) .
11- حكم عقد البيع في المسجد :
- وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تنشد فيه الضالة، وعن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة } ( رواه أحمد وأصحاب السنن ) .
- وروى الترمذي (1321) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا : لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " الإرواء " ( 1295 ) .
- واختلف العلماء رحمهم الله : هل هذا النهي للتحريم أم الكراهة ، وإذا تم عقد البيع داخل المسجد ، هل يحكم بصحته أم لا ؟
والذي عليه جمهور العلماء : أن العقد صحيح مع الكراهة .
- بل قال ابن بطال رحمه الله : " وقد أجمع العلماء أن ما عُقد من البيع في المسجد : أنه لا يجوز نقضه ، إلا أن المسجد ينبغي أن يُجنب جميع أمور الدنيا " انتهى من " شرح صحيح البخارى " (2/105) .
- وهذا الإجماع وإن كان في نقله نظر ، لما سبق من نقل الخلاف عن الحنابلة ، إلا أنه يفيد أن هذا قول عامة العلماء .

الرسائل الأحدث

أحكام الإحداد