أحكام الاحداد 1 :
معنى الحداد : معناه لغة: المنع لان الحداد صفة تتعلق بالمرأة فهو يمنعها مما كان مباحا لها قبله.
وفي القاموس فهو الحاد والمحد : تاركة الزينة للعدة.
وسميت العقوبة حداً لأنها تمنع من المعصية.
معناها شرعا:
أن تجتنب المرأة المعتدة المتوفي عنها زوجها كل ما يدعو إلى نكاحها ورغبة الآخرين فيها من طيب وكحل ولبس مطيب وخروج من منزل من غير حاجة.
حكم الحداد:
اتفق كل من يعتد بقولة من أئمة الفتوى على وجوب الحداد على المرأة التى مات زوجها من غير فرق بين ما اذا كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها بل هو واجب على الكل .
أدلة الوجوب:
أولا الآيات: قوله تعالى " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بانفسهن أربعة أشهر وعشرا فاذا بلغن اجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير " (البقرة:234)
يتنظرن بانفسهم اربعة اشهر وعشرا حدادا على أزواجهن ، والاية خبر في معنى الامر
وهذه الاية ناسخة لقولة عز وجل " والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وصية لأزواجهم متاعا الى الحول غير إخراج" فقد كانت المرأة حولا كاملا ثم نسخ ذلك بأربعة اشهر وعشر والى هذا ذهب جمهور العلماء
ثانيا الأحاديث: عن زينب ابنة أبي سلمة قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي عليه الصلاة والسلام حين توفى أبوها ابو سفيان بن حرب فدعت أم حبيبه بطيب فيه صفرة – خلوق او غير خلوق- فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها ثم قالت : والله مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الاخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال الا على زوج أربعة اشهر وعشرا"
وقالت زينب : وسمعت أم سلمة تقول : جاءت امرأة الى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقالت: يارسول الله أن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها ؟ فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام :لا – مرتين أو ثلاثا- كل ذلك يقول :لا ثم قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : انما هي اربعة اشهر وعشر وقد كانت احداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول" أخرجها البخاري.
ففي الحديث:
1- عدم جواز إحداد المرأة على غير زوحها (كولد وأب وأخ) إلا ثلاثة أيام
2- اثبات عدة المتوفي عنها زوجها بأنها أربعة أشهر وعشرا
3- عدم جواز استعمالها للكحل وسيأتي الكلام فيه
4- ان المرأة كانت في الجاهلية تمكث في عدتها سنه كاملة وتدخل بيتا صغيرا وتعتزل فيه وتجتنب كل ملذات الحياة وتشق على نفسها فلا تغتسل ولا تقلم أظافرها وتلبس شر ثيابها ثم تخرج بعد ذلك في أقبح صورة وأشنع منظر فاذا ارادت الخروج من عدتها رمت بالبعرة فيكون ذلك (أي رميها بالبعرة) إحلالا لها
وقيل: إشارة الى أن الفعل الذي فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه لما انقضي كان عندها بمنزلة البعرة التى رمتها استحقارا له وتعظيما لحق زوجها
ثالثا الاجماع:
وأما الاجماع فانه روي عن جماعة من الصحابة منهم : عبدالله بن عمر وعائشة وأم سلمة وغيرهم-رضي الله عنهم- القول بوجوب الاحداد ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا من الصحابة – رضي الله عنهم ( انظر المغني (7/517) بدائع الصنائع (3/209)
*وإن تركت المعتده الحداد حتى تنقضي العدة فان كان من جهل فلا حرج وان كان عمدا فهي عاصية لله عز وجل ولا تعيد ذلك لأن وقت الحداد قد مضى ولا يجوز عمل شئ في غير وقته
حكم الحداد:
1- تعظيم حق الزوج والتأسف على مافاتها من العشرة والصحبة
2- ولا شك ان الزواج نعمة في الدين والدنيا فزواله مصيبة توجب الحزن لما فيه من قضاء الوطر بالحلال والعفة عن الحرام والعشير المؤنس وصيانة المرأة نفسها عن السؤال لوجود المنفق عليها وقد انقطع ذلك كله بالموت فلزمها الإحداد إظهاراً للمصيبة والحزن
3- مراعاة شعور والدي الزوج وأقاربه بترك الزينة في هذه المدة أو الزواج
4- معرفة برءاة الرحم في هذه المدة فان الجنين تنفخ فيه الروح عند مرور اربعة اشهر ويتحرك في بطن أمة وقد يكون ضعيفا فتتأخر حركته فزيدت هذه الأيام العشرة
5- لو جهلت الحكمة التي من أجلها شرعت العدة لوجب على من كانت تؤمن بالله واليوم الاخر ان تعمل بها طاعة لأمر ربها سبحانه وتعالى واستجابة له ولرسوله عليه الصلاة والسلام - قال تعالى " وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون" (آل عمران:123)
"والإسلام انما هو الاستسلام لله تعالى بالتوحيد والإنقياد له ولرسوله عليه الصلاة والسلام بالطاعة فاذا كان المسلم قائما بما أمر به مجيبا لما نهي عنه استحق أن يوصف بوصف الإسلام ... واذا لم يكن كذلك فلا فرق بينه وبين سائر الناس الذين لا يؤمنون بدين الله تعالى " ((الامداد بأحكام الحداد، د.فيحان المطيري ص 19))
شروط الحداد:
اتفق الفقهاء على وجوب الحداد على المرأة العاقلة البالغة المسلمة التي كان نكاحها بعقد صحيح ولو لم يدخل بها وعلى المطلقة الرجعية التي لم تخرج من عدة طلاقها لأنها لا تزال زوجة له
واختلفوا في المجنونة والصغيرة فذهب الجمهور الى وجوبه عليها لانهما زوجتان داخلتان في عموم الاية والاحاديث التي لم تفرق بين العاقلة والبالغة والمجنونة والصغيرة
والقول بعدم وجوب الحداد عليهما يحتاج الى دليل خاص ولا دليل ولأن اولياء أمورهن مأمورون بمنعهن من فعل المحرمات كما هو معلوم
وأما زوجة المسلم الذمية (الكتابية) فذهب الائمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد الى وجوب الحداد على الكتابية واستدلوا بعمومات الأدلة وقالوا ان إخراجها من هذه العمومات يحتاج الى دليل خاص ولا دليل عليه
وذهب الحنفية وبعض المالكية الى عدم وجوب الحداد على الذمية واستدلوا على ذلك بأنها غير مخاطبة بحقوق الشرع والحداد من حقوقه ويوضح قولة عليه الصلاة والسلام " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم..." فالايمان شرط لوجوب شرط الحداد وترجم عليه النسائي بذلك
وأجاب الجمهور : بأن شرط الايمان إنما ذكر تأكيد للمبالغة في الزجر فلا مفهوم له كما يقال : هذا طريق المسلمين ويسلكة غيرهم : قال الحافظ بن حجر
وقال ايضا: فالاحداد من حق الزوج وهو ملتحق بالعدة في حفظ النسب فتدخل الكافرة في ذلك بالمعنى كما دخل الكافر في النهي عن السوم على سوم أخيه
ولأنه حق للزوجية اشبة النفقة والسكني
ونقل السبكي في فتاوية عن بعضهم أن الذمية داخلة في قولة " تؤمن بالله واليوم الاخر " ورد على قائله وبين فساد شبهته فأجاد
وقال النووي :قيد بوصف الايمان لأن المتصف به هو الذي ينقاد للشرع
والشرط الاخير : أن يكون نكاحها بعقد صحيح وهو المستكمل للأركان والشروط من الإيجاب والقبول والشاهدين والولي والمهر وخلو الزوجين من الموانع
أقسام الحداد :
سبق ان ذكرنا حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام " لايحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث الا على زوج اربعة اشهر وعشرا" وقد تضمن هذا الحديث أقسام الحداد وهي قسمان:
1- حداد المرأة على غير زوجها : وهو محصور بثلاثة أيام فلا يجوز ان تتعداه المرأة المؤمنة
2- حداد المرأة على زوجها المتوفي : ومدتة كما بينا أربعة أشهر وعشراََ
والحديث يدل ايضا : على أن الحداد خاص بالنساء لقولة عليه الصلاة والسلام "لا يحل لامرأة تؤمن بالله..." وكذا الآية " والذين يتوفون ويذرون أزوجاََ..." فالزوج لا يجب عليه الحداد بوفاة زوجتة بل له أن يتزوج دون ان يكون مقيدا بمده معينه
**تنبية : قد انتشرت عصرنا الحاضر ظاهرة مخالفة لشريعة الاسلام ألا وهي: الحداد وتنكيس الاعلام لوفاة الزعماء والعظماء لمدة معينه ثلاثة أو سبعة أيام أو اكثر ولا شك ان هذا لا أصل له في دين الله تعالى وقد ذكرنا ان الحداد يشرع للمرأة فقط وفي حق زوجها أو قريبها قد حدد ذلك بمواقيت لا يجوز تعديها واما ما سوى ذلك من الحداد فباطل لا أصل له وليس في كتاب الله تعالى ولا سنة نبيه عليه الصلاة والسلام ولا فعل احد من أصحابة رضي الله عنهم أجمعين ما يدل للحداد السابق بل هو مأخوذ من الامم الكافرة ولا يجوز للمسلمين التشبه بهم كما هو مقرر في دين الله تعالى وقد أغنانا الله تعالى عن ذلك باكمال الدين كما قال " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا" والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وقد مات في حياة النبي عليه الصلاة والسلام ابنه ابراهيم وبناته الثلاثة رقيه وام كلثوم وزينب ومات عمة حمزة واعيان اصحابه في حياته فلم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام انه حد او امر بالحداد ولما توفي هو عليه الصلاة والسلام سيد الاولين والاخرين و مصيبة موته من أعظم المصائب لم يحد عليه ابو بكر ولا عمر ولا عثمان وعلي وسائر الصحابة الكرام وكذا مات ابو بكر وقتل عمر وعثمان وعلي وغيرهم كثير فلم يحد عليهم المسلمون
فكل ما سبق دال على ان هذا العمل بدعة نكراء ينبغي نبذها والتحذير منها .
عدة الحامل :
علمنا ان عدة المرأة هي اربعة اشهر وعشرا وهذا اذا كانت حائضا .
اما اذا كانت حاملا فان عدتها تنتهي بوضع حملها ، لقوله تعالي (واولات الاحتمال اجلهن ان يضعن حملهن ) الطلاق : 4
فالآيه تدل على ان الحامل تنقضي عدتها بوضع حملها لان الاجل المذكور في الايه هو العدة .
والحديث سبيعة الاسلميه انها كانت تحت سعد بن خولة وهو من بني عامر لؤي – وكان ممن شهد بدرا – فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل ، فلم تنشب ( أي لم تمكث طويلا ) ان وضعت حملها بعد وفاته ، فلما تعلت من نفاسها ( أي قامت ) تجملت للخطاب ، فدخل عليها ابو السنابل بن بعكك – رجل من بني عبد الدار – فقال لها : مالي اراك متجمله ؟ لعلك ترجين النكاح ! وانك والله ما انت بناكح حتى تمر عليك اربعة اشهر وعشر ، قالت سبيعة : فلما قال لي ذلك ، جمعت علي ثيابي حين امسيت فأتيت رسول الله عليه الصلاة والسلام فسألته عن ذلك ، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وامرني بالتزوج ان بدالي .
قال ابن شهاب ( احد رواة الحديث ) : فلا ارى باسا ان تتزوج حين وضعت ، وان كانت في دمها ، غير ان لا يقربها زوجها حتى تطهر .
فهذا الحديث دليل صحيح صريح على ان عدة الحامل المتوفي عنها زوجها تنقضي بوضع حملها وانه يحل لها الزواج بعد ذلك .
وعن ابن عمر انه سئل عن المرأة يتوفى عنها زوجها وهي حامل فقال ابن عمر : اذا وضعت حملها فقد حلت ، فأخبره رجل من الانصار ان عمر بن رضي الله عنه قال : لو ولدت وزوجها على سريره لم يدفن لحلت .
قال الحافظ ابن حجر : وقد قال جمهور من العلماء من السلف وأئمة الفتوى في الامصار : ان الحامل اذا مات عنها زوجها تحل بوضع الحمل وتنقضي عدة الوفاة .